احمد ذيبان
طقس أوروبا كان لطيفا وماطرا أحيانا خلال شهر تموز ، لكنه كان حارا بشكل استثنائي، من حيث عدد العمليات الارهابية وسفك الدماء ، وكان أكثرها وحشية جريمة على شاطئ مدينة نيس جنوب فرنسا ، نفذتها شاحنة «مجنونة» يقودها شخص معتوه في مشهد يفوق أي خيال سينمائي، استخدمها لدهس مواطنين كانوا يحتفلون بالعيد الوطني الفرنسي يوم 14 تموز ، لمسافة تزيد عن كيلومترين ، وكان حصاد تلك العملية 84 قتيلا واكثر من 200 جريح، فضلا عن ترهيب مئات العائلات التي كانت في المكان .
ورغم أن تنظيم ما يسمى ب»الدولة الاسلامية» تبنى العملية، لكن من يعرفون منفذ العملية من أقاربه وجيرانه وهو تونسي الأصلي ،أكدوا لوسائل الاعلام الفرنسية ، أنه يشرب الخمر ولا يصوم رمضان وله سوابق جنائية ! وفي الأيام الأخيرة من تموز، قام «داعشيان» بمهاجمة « كنيسة روان « شمال فرنسا ، وذبحا كاهن الكنيسة وأحد المصلين !
وفي تموز أيضا عاشت المانيا أسبوعا داميا ، خلف مشاعر من الحزن والخوف في عدة مدن ، جراء سقوط عشرات القتلى والجرحى في عديد العمليات الارهابية، إحداها نفذها مسلحون داخل مركز تسوق في ميونيخ ، وثانية قيام لاجئ أفغاني عمره «17» عاما بمهاجمة مسافرين داخل قطار بفأس وسكين، في ولاية بفاريا ، كما وقع انفجار في انسباخ قرب مدينة نورمبرج ، كان يستهدف مهرجانا للموسيقى وافتعله لاجئ سوري قتل في الانفجار. كما هاجم مسلح مستشفى في برلين ، وكان غالبية منفذي تلك العمليات في فرنسا وألمانيا ، من اللاجئين الذين قدموا إليهما حديثا ،هروبا من جحيم بلدانهم !
تبنى تنظيم «داعش» لبعض تلك العمليات ، عمق المخاوف الأوروبية من اللاجئين ، وقدمت للأحزاب اليمينية ذريعة جديدة لتصعيد ضغوطها العنصرية ،ضد الجاليات الاجنبية وخاصة من الدول الاسلامية، حيث بدات المستشارة الالمانية ميركل ، التفكير بترحيل اللاجئين لبلدانهم أو الى بلدان أخرى، وفي مقدمة هؤلاء المهاجرين المغاربة غير الشرعيين .
تهمة الارهاب أصبحت جاهزة للمسلمين ، في وسائل الاعلام الأوروبية وفي أوساط واسعة من الرأي العام والنخب السياسية ، فور وقوع أي عملية وقبل بدء التحقيق ! مقابل ذلك يتم التعامل ببرود إزاء عمليات ارهابية وحشية ، يرتكبها أشخاص غير مسلمين ، مثل الهجوم الذي نفذه هندوسي بسكين داخل منشأة للمعاقين قرب العاصمة اليابانية طوكيو ، قتل خلاله 19 شخصا وأصاب 25 آخرين .
ذلك الشخص هو «داعشي» من فصيلة أخرى ! حيث قال خلال التحقيق معه أنه « يريد التخلص من المعاقين في هذا العالم»! وتم التعامل إعلاميا وسياسيا ببرود مع ذلك الهجوم البربري، الذي وقع في اليوم السابق لحادث الكنيسة الفرنسية «26»تموز، لكن الانظار والأضواء والتعليقات سلطت على هجوم الكنيسة !
ثمة مشهد صادم لن يغادر الذاكرة لسنوات ، كانت الساعة حوالي العاشرة مساء بتوقيت باريس» الحادية عشرة « بتوقيت عمان يوم 11 تموز، وهي ساعة غياب الشمس هناك في هذه الأيام . وفي تلك اللحظات انتهت المباراة النهائية على كأس أوروبا ، التي فازت فيها البرتغال على فرنسا الدولة المضيفة، وفجأة تخيلت نفسي في إحدى دول العالم الثالث الفاشلة، وليس في «عاصمة النور» كما توصف باريس، وفي ساحة مجاورة لأحد أهم معالمها «برج ايفيل»، كانت تحتشد بالناس، وبدا عدد كبير منهم من أصول افريقية ، فحدثت فوضى عارمة وعمليات «كر وفر» ، وتمكن عشرات الرعاع من ترهيب مئات الأشخاص بينهم نساء وأطفال ، وتعرض العديد منهم للسرقة والضرب!
ولم يتبين ما اذا كان هؤلاء يحتجون على خسارة فرنسا، أو يعبرون عن ابتهاجهم بهزيمتها بهذه الطريقة الهمجية، لأسباب مختلفة تتعلق بالهجرة والاقامة والتمييز، والغريب أنه لم يكن هناك أي عنصر أمن لوقف المهزلة ،التي تواصلت لفترة ساعتين ،وانتقلت تحت الأرض في محطات المترو ! وربما كانت تلك الحادثة مؤشر على سهولة وقوع هجمات ارهابية ،بسبب ضعف الاجراءات الامنية التي لاحظتها في غير مكان، مثل بلجيكا وألمانيا بالإضافة الى فرنسا .
[email protected]